إذا دخلت أي مدرسة في العالم راح تلاقي الطالب جالس على الكرسي يسمع، يحل، يكتب، يجاوب، لكن نادر جدًا تلاقي أحد يسأله: كيف تحس اليوم؟ أو وش صار معك الأسبوع اللي راح؟ أو كيف تتعامل مع القلق قبل الاختبار؟
الطلاب حول العالم يمرون بأوقات صعبة أحيانًا بدون ما يلاحظهم أحد. داخلهم توتر أو ضغط أو خوف من الفشل، ويمكن حتى حزن بدون سبب واضح.
وهنا تجي فكرة الصحة النفسية، واللي صارت واحدة من أهم القضايا التعليمية في العالم الجديد، لأن التعليم الحقيقي ما يقدر يصير بدون شعور بالأمان والراحة النفسية.
بعض الدول مثل السويد وكندا وأستراليا بدأت تدمج موضوعات الصحة النفسية مباشرة داخل المناهج، مو كمادة مستقلة بل كجزء من اللغة والعلوم والرياضيات والفنون.
يعني الطالب يتعلم كيف يتعامل مع المشاعر، كيف يتنفس وقت التوتر، كيف يتكلم عن خوفه بدون خجل.
المدارس صارت تحتوي زوايا هدوء فيها وسائد وألوان دافئة وموسيقى هادئة عشان الطالب يرتاح إذا حس بضيق. وهذا مو ترف، هذا جزء من المنهج.
لكن السر الغريب هو إن بعض المدارس في دول العالم الثالث بدأت تقلد هالتجارب فقط في الشكل بدون الجوهر. تحط ركن هدوء، لكن تمنع الطالب من الجلوس فيه وقت الحصة، وكأن الفكرة مجرد ديكور.
المعلم ما هو آلة شرح
من أهم أسرار الصحة النفسية في المدارس هو دور المعلم في بناء بيئة نفسية صحية، لأنه مو كل شيء يجي من الكتب أو التمارين. أحيانًا نظرة المعلم أو صوته أو طريقته في التعامل تفرق في نفسية الطالب بشكل كبير.
المعلم اللي يسمح للطالب إنه يخطئ ويتعلم يعطيه مساحة للتنفس، بعكس اللي يوبخه أو يحرجه أمام زملائه.
وفي كثير من الأنظمة التعليمية الحديثة صار تدريب المعلمين على المهارات النفسية شرط أساسي: مثل كيف تتعامل مع طالب مضطرب، كيف تلاحظ علامات الاكتئاب، كيف تبني صف آمن عاطفيًا.
المدارس البريطانية الحديثة مثلًا صار فيها مشرف نفسي داخل كل قسم، مو بس مختص يجلس في غرفة بعيدة، بل جزء من الحياة اليومية للمدرسة.
فيه سر غريب وهو إن بعض المدارس العالمية تعطي لكل طالب دفتر يوميات عاطفية يكتب فيه مشاعره اليومية ويتم قراءته بشكل خاص من قبل المعلم بدون نشر أو تقييم.
هذا النوع من العلاقة بين الطالب والمعلم يبني ثقة ويخلي الطفل يشعر إن فيه أحد يسمعه بدون ما يحكم عليه.
لكن في كثير من المدارس التقليدية لا يزال الطالب مجرد رقم على لائحة الحضور، ولو غاب أو تأخر أو بكى، ما فيه أحد يسأل ليش.
مناهج تدرس القلق والاكتئاب
الشي اللي يعتبر ثورة حقيقية في بعض دول العالم هو دخول موضوعات مثل الاكتئاب، القلق، اضطرابات النوم، العزلة الاجتماعية داخل كتب المواد الأساسية.
الطالب يتعلم كيف يفرق بين التعب النفسي والتعب الجسدي، كيف يطلب المساعدة، كيف يتعاطف مع الآخرين اللي يعانون من مشاكل نفسية.
فيه مدارس تعلم الطلاب كيف يتعرفون على أنواع المشاعر وكيف يتعاملون معها بطرق صحية مثل الكتابة، الرياضة، الحديث، التنفس العميق.
والأغرب من هذا إن فيه دول بدأت تدرج دروس عن السعادة كمهارة يتم تنميتها، مش مجرد شعور عابر. الطالب يتعلم كيف يصنع لحظات سعادة بسيطة كل يوم، وكيف يوازن بين الإنجاز والمتعة.
واحدة من المدارس الفنلندية تطبق منهج يسمى "مدرسة العقل الواعي"، وفيه يجلس الطلاب عشر دقائق يوميًا يمارسون الصمت والتأمل قبل بداية اليوم الدراسي.
لكن السر الغريب هو إن بعض الجهات التعليمية في العالم العربي تخاف من طرح مواضيع الصحة النفسية لأنها تعتبرها حساسة أو خاصة، رغم إنها جزء أساسي من حياة الطالب.
بعض المدارس تحاول تغطي الموضوع تحت اسم "السلوك" أو "التربية"، لكن تظل الفكرة سطحية، ما تدخل العمق الحقيقي للمشاعر والمواقف.
الضغوط أكبر من عمر الطالب
اللي ما يعرفه كثير من الناس هو إن بعض الطلاب اليوم يعيشون تحت ضغوط أكبر من طاقتهم اليومية.
الاختبارات التنافسية، التوقعات العالية من الأهل، المقارنة الدائمة على وسائل التواصل... كلها عوامل تخلق جو من التوتر المستمر.
وفي بعض المدارس يصير الضغط مضاعف لما تكون البيئة غير داعمة. الطالب يخاف من الفشل، يخاف من نظرة المعلم، أو سخرية زملائه، أو حتى من عقاب البيت إذا جاب درجة ضعيفة.
فيه طلاب ينهارون قبل الاختبار، وآخرون يمرضون جسديًا لأن نفسيتهم ما قدرت تتحمل.
وهنا يجي السؤال: هل المدرسة تساعدهم فعلا على تجاوز هالضغوط؟ ولا تزيدها بطريقة غير مباشرة؟
في بعض المدارس العالمية تم منع ترتيب الطلاب حسب الدرجات العلنية لأنها تزيد القلق. وفيها تم إلغاء الواجبات اليومية لصالح المشاريع التفاعلية لأنها تخفف الضغط على الطالب وتخليه يشتغل بدون خوف.
السر العجيب هو إن بعض الطلاب المميزين دراسيًا يعانون نفسيًا، لكن ما يبين عليهم، لأن الكل يشوف درجاتهم العالية ويتجاهل إشارات التعب الداخلي.
عشان كذا صار من الضروري إن الصحة النفسية تكون جزء لا يتجزأ من كل درس وكل نشاط وكل حصة، مو مجرد محاضرة في أسبوع التوعية.
التعليم ما يسوى شيء بدون نفسية مستقرة
التعليم الناجح هو اللي يهتم ببناء الإنسان قبل بناء المعرفة. لأن الطالب لو ما كان مرتاح من داخله، ما راح يركز، ولا يفهم، ولا حتى يحب ما يتعلمه.
دمج الصحة النفسية في المناهج مو رفاهية ولا موضة جديدة، هو أساس لأي بيئة تعليمية صحية وإنسانية.
المدارس اللي تبدأ اليوم تهتم بهالجانب، راح تبني جيل متوازن يعرف يتعامل مع الحياة بتقلباتها، ويعرف يطلب المساعدة إذا احتاج، ويتفهم غيره، ويحترم نفسه.
السر الأخير والأغرب هو إن الطالب اللي يملك وعيًا نفسيًا عالي، غالبًا يصير أكثر إبداعًا وثقة وتعاون، حتى لو ما كان متفوقًا تقليديًا.
لأن النفسية المستقرة هي اللي تفتح أبواب التفكير والتعلم والتجربة.
وهنا يبدأ الفرق بين مدرسة تبني طالب ناجح من الخارج، ومدرسة تبني إنسان حقيقي من الداخل.
في النهاية
في نهاية كل هذا الكلام عن المناهج والتكنولوجيا والابتكار، يظل السؤال الحقيقي هو: كيف يشعر الطالب داخل الصف؟
المدرسة اللي ما تعلم الطفل يهدأ، يسمع صوته الداخلي، يتعامل مع مشاعره، ويتنفس بعمق وقت القلق، ما راح تخرّج إلا أجساد تحفظ معلومات وتنسى بعدها بشهر.
المدرسة الحقيقية هي اللي تعلّم الطفل كيف يكون إنسان أولًا، يعرف يتعامل مع نفسه قبل يتعامل مع الاختبار. يعرف إن الغلط مو عيب، وإن الخوف مو ضعف، وإن الشعور بالحزن مو نهاية العالم.
إذا ما كانت المناهج تساعد الطالب يهدأ ويعيش بسلام داخلي، فهي تفشل في أهم هدف لها. التعليم ما هو سباق درجات، التعليم هو رحلة بناء إنسان واعي متزن قادر يواجه الحياة وهو مبتسم.
التعليقات
لا توجد تعليقات