المدارس الخاصة والمناهج الدولية وتأثيرها على التعليم المحلي

جدول المحتويات:

    من فترة قريبة بدأت تلاحظ إن كثير من الناس يركضون يسجلون عيالهم في مدارس خاصة تقدم مناهج دولية. مدارس تسمي نفسها بريطانية أو أمريكية أو كندية حتى لو كانت في حي عادي في مدينة عربية. شيء ملفت فعلا إنك تشوف طفل صغير يتكلم عن اختبار السات أو منهج كامبردج بينما ابن جاره في نفس السن يحفظ جدول الضرب من كتاب وزارة التربية.

    هنا تبدأ المقارنة. الناس تسأل هل المناهج الدولية فعلا أفضل وهل المدارس الخاصة تستحق كل المبالغ اللي يدفعونها الأهالي وهل هذا النوع من التعليم يأثر على التعليم المحلي نفسه ولا يعيش في فقاعة مستقلة.

    اللي يصير فعليا هو إن التعليم صار ساحة تنافس كبيرة بين مناهج وأنظمة مختلفة. وكل جهة تحاول تقنع الأهالي إن طريقتها هي الأفضل لبناء مستقبل أطفالهم. بس تحت هذا التنافس فيه أشياء ما تنقال بصراحة.

    من أغرب الأسرار في بعض المدارس الدولية إنها أحيانا تستخدم اسم عالمي كبير لكنها في الواقع ما عندها أي اعتماد رسمي من الجهة اللي تمثلها. يعني تشتري المنهج فقط وتطبقه بدون رقابة أو إشراف حقيقي. وفيه مدارس ترفع الأسعار كل سنة بحجة التطوير بينما التغيير الوحيد هو لون الجدران أو شكل الزي.

    الطالب بين ثقافتين

    واحدة من القضايا اللي ما ينحكى عنها كثير هي تأثير المناهج الدولية على هوية الطالب. الطفل اللي يتعلم مناهج بريطانية ويتحدث الإنجليزية في المدرسة ويقرأ عن ثقافات أوروبا وأمريكا راح يلقى نفسه مع الوقت أقرب لتلك العوالم وأبعد عن مجتمعه الأصلي. مو بالضرورة إنه يرفض هويته بس أحيانا يصير عنده نوع من الانفصال الداخلي.

    فيه أم قالت مرة إن ولدها صار يسألها ليش ما نحتفل بعيد الهالوين زي الناس الطبيعيين. الولد ما يقصد الإساءة لكنه ببساطة تعلم في مدرسته إن الطبيعي هو ما يراه يوميًا في كتاب العلوم واللغة. وهذا شي يوضح كيف إن التعليم يزرع المفاهيم من دون ما يشعر الطالب أو الأهل.

    بعض الناس يشوفون هذا تنوع ثقافي ويعتبرونه ميزة. بس فيه جانب ثاني مهم وهو إن الطالب يبدأ يفقد الإحساس بالانتماء. ما يعرف يكتب بشكل جيد بلغته الأم ولا يقدر يشرح فكرة بالعربية حتى لو كان يتقنها بالإنجليزية. هذا مو خطأ الطالب ولا المعلم لكنه نتيجة لتصميم منهج أجنبي غير موجه لواقعنا المحلي.

    وهنا يجي سؤال مهم هل المدارس الدولية تقدم تعليم عالمي فعلي أو مجرد تعليم أجنبي داخل بلد عربي هذا سؤال يحتاج جرأة في الطرح لأن فيه سر غريب وهو إن بعض هذه المدارس تفتقر حتى لمعلمي لغة عربية مؤهلين ومع هذا تقدم نفسها كمدرسة متكاملة.

    التعليم المحلي في مأزق

    التعليم الحكومي والمحلي قاعد يواجه تحديات أصعب من أي وقت مضى. لأن المقارنة صارت دايمًا موجودة. كل ما ذكر طالب إن مدرسته ما فيها مختبر حديث أو نشاط مسرحي يرد عليه الثاني ويقول مدرستي فيها كل هذا وزيادة. المدارس الحكومية ما صارت الخيار الأول عند كثير من الأهالي والسبب مو فقط جودة التعليم بل أيضا الصورة العامة اللي انتشرت عنها.

    لما تنتشر المدارس الخاصة في كل شارع وتقدم خدمات ممتازة وساحات نظيفة ومناهج دولية تفتح أبواب الجامعات الأجنبية أمام الطلاب طبيعي التعليم المحلي يبدأ يفقد بريقه عند الناس. بس الغريب إن كثير من المدارس الحكومية فيها معلمين أكثر كفاءة وتجربة من بعض المعلمين اللي يشتغلون في المدارس الخاصة. الفرق في الدعم والتسويق مش في الجوهر أحيانًا.

    فيه سر ما يعرفه كثير من الناس وهو إن بعض المناهج المحلية بدأت تتأثر فعلًا بوجود هذه المدارس فصار فيه توجه لتعديل الكتب وتطوير طرق التدريس بس المشكلة إن التحديثات غالبا تكون شكلية أو بطيئة. يعني يحطون رسم كرتوني جديد أو يغيرون عنوان الدرس لكن جوهر المحتوى يبقى كما هو.

    والمفارقة العجيبة إن بعض المدارس الخاصة نفسها تستعين أحيانا بمدرسين حكوميين سابقين لتدريب طاقمها أو تطوير محتواها لأنها تدرك إن في النظام المحلي كنوز غير مستغلة.

    بين الجودة والتجارة

    فيه نقطة حساسة كثير من الناس تتحاشى الحديث عنها وهي إن التعليم الخاص أصبح تجارة ضخمة. بعض المدارس تطلق على نفسها مسمى دولي أو عالمي ثم ترفع الرسوم بشكل خرافي رغم إن البيئة التعليمية ما تفرق كثير عن مدرسة متوسطة المستوى.

    وهنا يظهر سر آخر غريب إن بعض هذه المدارس تحصل على رخصة تشغيل فقط لأنها وعدت بتطبيق منهج دولي معتمد لكن ما فيه آلية رقابة صارمة على طريقة التطبيق. فيصير الطالب يدرس كتاب بريطاني بنسخة قديمة ومعلم ما حضر دورة تأهيل حقيقية لكن السعر يوحي إنك في مدرسة Ivy League.

    كثير من الأهالي يدفعون مبالغ ضخمة من باب إنهم يبغون أفضل مستقبل لأطفالهم بس ما يدرون إن الجودة الحقيقية مو دايمًا مرتبطة بالسعر. فيه مدارس رسومها معتدلة لكنها تبني بيئة تعليمية إبداعية وحقيقية وفيه مدارس بملايين لكنها تقدم نسخ مكررة من دروس على اليوتيوب.

    التعليم الخاص بحاجة إلى تنظيم شفاف وتقييم مستمر مو بس تركيز على المظاهر. لأن الاستثمار في التعليم لازم يكون أعمق من الشعار والفيديو الدعائي.

    هل يمكن التوفيق بين الاثنين

    السؤال الأهم اليوم مو أيهم أفضل بل كيف نجمع بين مزايا الاثنين. هل ممكن نأخذ من المناهج الدولية طرق التفكير والنقاش والبحث ونضيفها على المناهج المحلية اللي تهتم باللغة والدين والتاريخ. ممكن فعلًا نخلق منهج متوازن يجمع الأصالة مع الانفتاح.

    بعض الدول بدأت تسوي هذا فعلا. فيها مدارس تدمج بين المنهج الوطني وبعض المعايير الدولية. الطالب يتعلم بلغته لكن بأسلوب حديث ويتعرض لمواضيع عالمية بدون ما ينسى مجتمعه وثقافته. هذا النوع من التعليم ممكن يصنع جيل واثق من نفسه وفاهم للعالم حوله بدون ما يفقد جذوره.

    المدارس ما راح تتغير بين يوم وليلة لكن التغيير يبدأ لما يبدأ المجتمع يسأل أسئلة حقيقية مثل ليش هذا المنهج موجود وشو الهدف منه وهل هو يخدم الطالب فعلًا أو يخدم سمعة المدرسة فقط.

    بعض أولياء الأمور صاروا أكثر وعيًا وصاروا يقرؤون عن المناهج قبل التسجيل ويشتركون في اجتماعات المدرسة ويسألون عن طريقة التدريس مش بس اسم الشهادة النهائية وهذا وعي صحي لازم ينتشر أكثر.

    التعليم الحقيقي

    في النهاية يبقى التعليم أعمق من مجرد اسم مدرسة أو شعار على الزي. الطالب يحتاج أكثر من شهادة دولية أو ورقة مكتوبة بالإنجليزية. يحتاج بيئة تفهمه وتدعمه وتعلمه كيف يفكر مش بس كيف ينجح.

    التعليم الخاص والمناهج الدولية جزء من المشهد لكنه مش كل القصة. النظام التعليمي الناجح هو اللي يقدر يخدم كل طالب حسب احتياجاته وظروفه ويخلق توازن بين العالمي والمحلي وبين المعاصر والتقليدي.

    والأغرب من كل هذا هو إن كثير من أعظم العقول اللي غيرت العالم ما درسوا في مدارس خاصة ولا تعلموا بمناهج دولية بل كانت عندهم مدارس عادية لكن فضول غير عادي.

    مواضيع من تصنيفات مختارة

    التعليقات

    لا توجد تعليقات

    `

    المناهج

    الملخصات

    الاختبارات